فصل: تفسير الآية رقم (67):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66)}.
يريد الله تبارك وتعالى أن يلفتنا إلى أنه بعد أن جعل المسخة الخلقية والأخلاقية لليهود: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا} أي ما معها: {وَمَا خَلْفَهَا} أي ما بعدها: والنكال هو العقوبة الشديدة. والعقوبة لابد أن تنشأ عن تجريم أولا.. هذا هو المبدأ الإسلامي والمبدأ القانوني.. فرجال القانون يقولون لا عقوبة إلا بتجريم ولا تجريم إلا بنص.. قبل أن تعاقب لابد أن تقول أن هذا الفعل جريمة عقوبتها كذا وكذا.. وفي هذه الحالة عندما يرتكبها أي إنسان يكون مستحقا للعقوبة.. ومادام هذا هو الموقف فلابد من تشريع.
والتشريع ليس معناه أن الله شرع العقوبة.. ولكن معناه محاولة منع الجريمة بالتخويف حتى لا يفعلها أحد.. فإذا تمت الجريمة فلابد من توقيع العقوبة.. لأن توقيعها عبرة للغير ومنع له من ارتكابها.. وهذا الزجر يسمى نكولا ومنها النكول في اليمين أي الرجوع فيه.
إذن قوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا}.. أي جعلناهم زجرا وعقابا قويا.. حتى لا يعود أحد من بني إسرائيل إلى مثل هذه المخالفة: {نَكَالًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا}.. أي عقوبة حين يرويها الذين عاصروها تكفي لكيلا يقتربوا من هذه المعصية أبدا.. وتكون لهم موعظة لا ينسونها: {وَمَا خَلْفَهَا} يعني جعلناها تتوارثها الأجيال من بني إسرائيل جيلا بعد جيل.. كما بيننا الأب يحكي لابنه حتى لا يعود أحد في المستقبل إلى مثل هذا العمل من شدة العقوبة: {وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ}.. أي موعظة لكل الناس الذين سيبلغهم الله تبارك وتعالى بما حدث من بني إسرائيل وما عاقبهم به.. حتى يقوا أنفسهم شر العذاب يوم القيامة الذي سيكون فيه ألوان أشد كثيرا من هذا العذاب.. على أننا لابد أن نلفت الإنتباه إلى أن مبدأ أنه لا عقوبة إلا بتجريم ولا تجريم إلا بنص هو مبدأ إلهي.. ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15].
أي يأتي الرسول أولا ليجرم هذه الأفعال.. فإن ارتكبها أحد من خلق الله حقت عليه العقوبة.. ومن هنا فإن كل ما يقال عن قوانين بأثر رجعي مخالف لشريعة الله تبارك وتعالى وعدله.. فلا يوجد في عدالة السماء ما يقال عنه أثر رجعي. اهـ.

.فوائد بلاغية:

قال في صفوة التفاسير:
البلاغة:
أولا: {خذوا ما آتيناكم بقوة} فيه إيجاز بالحذف أي قلنا لهم: خذوا، فهو كما قال الزمخشري على إرادة القول.
ثانيا: {كونوا قردة خاسئين} خرج الأمر عن حقيقته إلى معنى الإهانة والتحقير، وقال بعض المفسرين: هذا أمر تسخير وتكوين، فهو عبارة عن تعلق القدرة، بنقلهم من حقيقة البشرية إلى حقيقة القردة.
ثالثا: {لما بين يديها وما خلفها} كناية عمن أتى قبلها أو أتى بعدها من الأمم والخلائق، أو عبرة لمن تقدم ومن تأخر. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{فَجَعَلْنَاهَا} فعل وفاعل ومفعول.
{نَكَالًا} مفعول ثانٍ لجعل التي بمعنى صبر والأول هو الضمير، وفيه أقوال: أحدها: يعود على المَسْخَة.
وقيل: على القرية، لأن الكلام يقتضيها كقوله: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا} [العاديات: 4] أي: بالمكان.
وقيل: على العقوبة.
وقيل: على الأمة.
النكال المنع، ومنه: النّكل، والنِّكلْك اسم للقيد من الحديد، واللِّجَام؛ لأنه يُمنع به، وسمي العقاب نَكَالًا؛ لأنه يُمنْع به غير المعاقب أن يفعل فِعْلَه، ويمنع المعاقب أن يعود إلى فَعله الأول.
والتنكيل: إصابة الغير بالنِّكَال لِيُردَعَ غيره، ونَكَلَ عن كذا يَنْكلُ نُكُولًا: امتنع، وفي الحديث: «إنّ الله يحب الرُّجُلَ النِّكل» أي: القوي على الغرس.
والْمَنْكَل: مَا يُنكَّلُ به الإنسان، قال: الرجز::
فَارْمِ عَلَى أَقفَائِهِمْ بِمَنْكَلِ

والمعنى: أنا جعلنا ما جرى على هؤلاء عقوبة رادعة لغيرهم.
والضمير في {يَدَيْهَا} و{خلفها} كالضمير في {جَعَلْنَاهَا}.
قال ابن الخطيب: لما قبلها وما معها وما بعدها من الأمم والقرون، لأن مَسْخَهُمْ ذكر في كتب الأولين، فاعتبروا بها، ما يحضرها من القرون والأمم.
{وما خَلْفَهَا} من بعدهم.
وقال الحَسَنُ: عقوبة لجميع ما ارتكبوه من هذا الفعْلِ، وما بعده.
و{مَوْعِظَةً} عطف على {نَكَالًا} وهي مَفعِلَةٌ، من الوَعْظ وهو التخويف.
وقال الخليل: التذكير بالخير فيما يرق له القلب.
والاسم: العظة كالعِدَة والزِّنَة و{لِلْمُتَّقِينَ} متعلّق ب {موعظة}، واللام للعلّة، وخصّ المتّقين بالذِّكر وإن كانت موعطةً لجميع العالم البَرّ والفاجر؛ لأن المنتفع بها هم المتقون دون غيرهم، ويجوز أن تكون اللام مقوية؛ لأن {موعظة} فرع على الفعل في العمل فهو نظير {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [البروج: 16] فلا تعلّق لها لزيادتها، ويجوز أن تكون متعلّقة بمحذوف؛ لأنها صفة ل {موعظة}.
أي: موعظة كائنة للمتّقين، أي: يعظ المتقون بعضهم بعضًا. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: إنكم تسجدون لله بالطبيعة الملكية الروحانية {اسجدوا لآدم} بخلاف الطبيعة تعبدًا ورقًا وانقيادًا للأمر وامتثالًا للحكم، اسجدوا له تعظيمًا لشأن خلافته وتكريمًا لفضيلته المخصوصة به، فمن سجد له فقد سجد لله تعالى كما قال: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله} اسجدوا لآدم لأجل آدم فإن عبادتكم وطاعتكم لا توجب ثوابًا لكم ولا تزيد في درجاتكم، ولكن فائدتها تعود إلى الإنسان لقوله: {يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض} ولأن الإنسان يقتدي بهم في الطاعة ويتأدب بآدابهم في امتثال الأوامر والانزجار عن الإباء والاستكبار، كيلا يلحقه من اللعن والبعد ما لحق إبليس {فسجدوا إلا إبليس} لأنهم خلقوا من نور، والنور من شأنه الانقياد والإفاضة، وأنه خلق من نار والنار من شأنها الاستعلاء طبعًا {وكان من الكافرين} لأنه ستر الحق على آدم كما سمي إبليس لأنه أبلس الحق.
{ولا تقربا هذه الشجرة} أي أبحت لك نعيم الجنة بما فيها وما كان لك فيها حق لأنك ما عملت بعد عملًا تستحق به الجنة فأعطني هذه الشجرة الواحدة منها وهي كلها لي وأنا خلقتها، فإن طمعت فيها أيضًا فاعلم أن الإنسان له همة عالية وحرص شديد لا يزال تقول جهنم حرصه هل من مزيد ولا تمتلئ حتى يضع الجبار فيها قدمه أي سابقة رحمته وعنايته «سبقت رحمتي غضبي» ثم إنه أبيح له ولزوجه مشتهيات النفس كلها {فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين} وقيل لهما اقتنعا بها ولا توقدا نار الفتنة على أنفسكما، ولا تصبا من قربة المحبة ماء المحنة على رأسكما، ولا تقربا شجرة المحبة وقد غرست لأجله في الحقيقة {يحبهم ويحبونه} [المائدة: 54]. ولكن سبب النهي هو الدلال الذي يقتضيه غاية الجمال. وأيضًا لو لم ينه عنها فلعله ما فرغ لها لكثرة أنواع المرادات النفسانية وكانت المحبة غذاء روحانيًا فذكرها كان كالتحريض عليها فإن الإنسان حريص على ما منع وأيضًا إنه تعالى وسع أسباب الانبساط أولًا ثم ضيق عليه الأمر آخرًا.
وأدنيتني حتى إذا ما فتنتني ** بقول يحل العصم سهل الأباطح

تجافيت عني حين لالي حيلة ** وغادرت ما غادرت بين الجوانح

خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وأسكنه الجنة في جواره وزوجه حواء حتى شاهد جمال الحق في مرآة وجهه، وأنبت شجرة المحبة بين يديه ثم منعه عنها وكان في ذلك المنع تذكير وتحريض. أيضًا كما مر ثم عاتبه بقوله: {فتكونا من الظالمين} وهذا كما أسكر موسى بأقداح الكلام وأذاقه لذة شراب السماع وقربه نجيًا حتى اشتاق إلى جماله وطمع في وصاله وقال: {ربي أرني} [الأعراف: 143] عاتبه بسطوة {لن تراني} [الأعراف: 143] وذلك أن البلاء والولاء توأمان والمحبة والمحنة رضيعا لبان، والمطلوب كلما كان أرفع كان أعز وأمنع والجمال لابد له من الدلال، وبه يتميز العاشق الصادق من المدعي المختال.
{فلما ذاقا} شجرة الغرام خرجا من دار السلام فما لأهل الغرام ودار السلام؟ وأين الفارغ السالي من المحب الغالي؟
فبتنا على رغم الحسود وبيننا ** حديث كطيب المسك شيب به الخمر

فلما أضاء الصبح فرق بيننا ** وأي نعيم لا يكدره الدهر؟

وبالجملة، فلما جاء القضاء ضاق الفضاء، فلم يمس بعد أن كان مسجود الملك مرفوع السماك إلى السماك مشمول الرعاية موفور العناية حتى نزع عنه لباس الأمن والفراغ، وبدل باستئناسه الاستيحاش، تدفعه الملائكة بعنف أن اخرج من غير مكث ولا بحث، فأزلتهما يد التقدير بحسن التدبير، وكان الشيطان المسكين كذئب يوسف لطخ خرطومه بدم نصح، فلما وقعا من القربة في الغربة، ومن الألفة في الكلفة لما ذاقا من شجرة المحبة المورثة للمحنة استوحشا من كل شيء، واتخذا عدوًّا بعضكم لبعض عدو، وهكذا شرط المحبة عداوة ما سوى المحبوب. فكما أن ذاته لا تقبل الشركة في التعبد، كذلك لا تقبل الشركة في المحبة. فلما استقرت حبة المحبة في أرض قلب آدم جعل الأرض مستقر شخصه ليتمتع بتربية بذر المحبة بماء الطاعة والتكليف إلى حين إدراك ثمرة المعرفة {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: 56] وقال صلى الله عليه وسلم: «إن داود قال: يا رب لم خلقت الخلق؟ فقال: كنت كنزًا مخفيًا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف» ثم إنه بعدما ابتلي بالهبوط بشره بأن وحيه لا ينقطع وهدايته لا ترتفع، وإن من ربى بذر المحبة بماء الطاعة والطباعة {فلا خوف عليهم} في المستقبل {ولا هم يحزنون} على ما مضى من الهبوط إلى الأرض، لأنهم يرجعون بجذبات العناية والهداية إلى ذرى حظائر القدس وبالله التوفيق. اهـ.

.تفسير الآية رقم (67):

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما بين تعالى قساوتهم في حقوقه عامة ثم خاصة اتبعه بيان جساوتهم في مصالح أنفسهم لينتج أنهم أسفه الناس فقال: {وإذ قال موسى لقومه} بني إسرائيل {إن الله} أي الذي له الأمر كله {يأمركم أن تذبحوا بقرة} لتعرفوا بها أمر القتيل الذي أعياكم أمره، وتاؤها ليست للتأنيث الحقيقي بل لأنها واحدة من الجنس فتقع على الذكر والأنثى.
ولما كان من حقهم المبادرة إلى الامتثال والشكر فلم يفعلوا بيّن فظاظتهم على طريق الاستئناف معظمًا لها بقوله حكاية عنهم {قالوا أتتخذنا هزوًا} أي مكان هزء ومهزوءًا بنا حين نسألك عن قتيل فتأمرنا بذبح بقرة، فجمعوا إلى ما أشير إليه من إساءتهم سوء الأدب على من ثبتت رسالته بالمعجزة فرد كلامه كفر، فذكرهم بما رأوا منه من العلم بالله المنافي للهزء بأن قال: {أعوذ بالله} أي أعتصم بمن لا كفوء له من {أن أكون من الجاهلين} فإنه لا يستهزئ إلا جاهل، والعوذ اللجاء من متخوَّف لكاف يكفيه، والجهل التقدم في الأمور المنبهمة بغير علم- قاله الحرالي. اهـ.

.اللغة:

{هزوا} الهزؤ: السخرية بضم الزاي وقلب الهمزة واوا {هزوا} مثل {كفوا أحد} والمعنى على حذف مضاف أي أتتخذنا موضع هزؤ، أو يحمل المصدر على معنى اسم المفعول أي أتجعلنا مهزوءًا بنا.
{فارض} الفارض: الهرمة المسنة التي كبرت وطعنت في السن، البكر الفتية السن التي لم تحمل بعد، ولم يلقحها الفحل لصغرها قال الشاعر:
لعمري لقد أعطيت ضيفك فارضا ** تساق إليه ما تقوم على رجل

ولم تعطه بكرًا فيرضى سمينة ** فكيف تجازى بالمودة والفضل؟

{عوان} وسط ليست بمسنة ولا صغيرة، وقيل هي التي ولدت بطنا أو بطنين، {فاقع} الفقوع: شدة الصفرة يقال: أصفر فاقع أي شديد الصفرة كما يقال: أحمر قان أي شديد الحمرة، قال الطبري: وهو نظير النصوع في البياض.
{ذلول} أي مذللة للعمل يقال: دابة ذلول أي ريضة زالت صعوبتها فقوله: {لا ذلول} أي لم تذلل لإثارة الأرض أي لحرثها.
{مسلمة} من السلامة أي خالصة ومبرأة من العيوب.
{شية} الشية: اللمعة المخالفة لبقية اللون الأصلي، قال الطبري: {لا شية فيها} أي لا بياض ولا سواد يخالف لونها.
{فادارأتم} أي تدافعتم واختلفتم وتنازعتم، وأصلها تدارأتم أدغمت التاء في الدال، وأتي بهمزة الوصل ليتوصل بها إلى النطق بالساكن فصار ادارأتم، ومعنى الدرء: الدفع، لأن كلا من الفريقين كان يدرأ على الآخر أي يدفع التهمة عن نفسه، ويلحقها بالآخر، وفي الحديث: «ادرءوا الحدود بالشبهات».
{قست} القسوة: الصلابة ونقيضها الرقة.
{يشقق} التشقق: التصدع بطول أو عرض.
{يهبط} الهبوط: النزول من أعلى إلى أسفل. اهـ.